عطني يـــــدي يابابا ......

صاحبنا" رجل مكافح في حياته , عصامي , تتساوى عنده أوقات اليوم بطولها , لا مجال للترفيه في حياته , فالجري خلف لقمة العيش أفقده طعم اللذة بأبسط وسائل الترفيه , حتى أسرته لم يعد في مخيلتها ما تبحث عنه من متاع , إلا أنهم كانت تراودهم أسطورة أن تكون لديهم سيارة يتنقلون عليها كغيرهم من المخلوقات الآدمية التي تحيط بهم , ولأن صاحبنا يهمه جدا أن يحقق لأسرته هذه الرغبة تقديرا لصبرها فقد قرر أن يشتري سيارة جديدة من الفئة الصغيرة التي يستطيع استدانة قيمتها وتسديدها على مدى خمس سنوات!.

أوقف صاحبنا سيارته الجديدة على باب منزله , قفز مسرعا والابتسامة قد فعلت في وجهه الأفاعيل حتى كادت تتساقط قواطعه , صرخ بأعلى صوته : ياأم ساره , ياأم ساره , ياأم ساره , حزري فزري إيش اشتريت ؟

لم ينتبه صاحبنا إلى أنه نسي أن يخفي مفاتيح السيارة الجديدة , صرخت أم ساره بهستيريا عالية جدا وهي تمسح بقايا صابون الغسيل على ملابسها : سياره ... أيه... أيه... سياره , سياره , ... فينك بابنتي سيارة , أقصد بابنتي ساره , أبوكِ شرا ساره , يوووه , وشف فيني إنهبلت , أقصد سياره !!

قفزت ""سارة" ذات الخمس سنين , وأخذت تجري وتتعثر برباط حذائها الصغير ... فتحت باب المنزل الخارجي ... صرخت :ثياره , ثياره , عندنا ثياره , أبوي ثرا ثياره.

وبينما أخذ أبو سارة يهدئ من روع زوجته , ويقدم لها المفاتيح تقديرا لها ولصبرها الطويل معه , كانت "سارة" تدور على السيارة وهي تخط بأصبعها الصغير على كل جزء تطالها أناملها , وبينما هي على هذه الحال , إذ لمحت على الأرض "مسمارا " صدئا , فالتقطته , ثم غرزته على السيارة ثم أكملت دورانها حولها , وخلال لحظات كان الجسم الخارجي للسيارة قد فقد بريقه ورونقه وجماله.

في هذه اللحظة خرج الأب وزوجته من المنزل ليقوما برحلة استكشافية على سيارتهما الجديدة.
ومن على باب المنزل شاهد الأب طفلته الصغيرة وهي تكحل سيارته بالمسمار.

صرخ الأب بأعلى صوته في طفلته ثم أندفع إليها كالمجنون , وكلما أقترب منها كلما أزداد غضبه وكشر عن أنيابه أكثر , ألتقط المسمار من بين أصابعها ثم سحب يدها الصغيرة , ثم وضع المسمار في راحتها , ثم بدأ يغرسه ويغرسه ويغرسه وهي تصرخ بأعلى صوتها :خلاث يابابا , أتوب و أتوب , لكن صاحبنا كانت قد سيطر عليه الغضب تماما وفقد شعوره بكل من حوله بفعل مادة الأدرينالين . ... بدأت يد الطفلة تنزف الدماء , وبدأ صوتها يختفي من البكاء , وبدأ المسمار بفعل الضغط عليه ينفذ من الجهة الأخرى ليدها , وفجأة إنتبه الأب إلى حجم الكارثة , وتبين له أنه قد تجاوز كثيرا في غضبه , حمل طفلته بين ذراعيه وبكاءه يسابق بكائها , أراد أن ينقلها على السيارة إلى المستشفى , لكنه تذكر انها سبب مصيبته , أستوقف سيارة أخرى , وفي المستشفى نقلت الطفلة إلى العناية المركزة , وبقيت هناك قرابة الشهر , وهي تعالج من الأثار النفسية والجسدية التي تسبب بها والدها.

وبعد مرور شهر قرر الأطباء أنه لا بد من بتر كف الطفلة , لم يكن للأب حيلة فوافق وهو يبكي دموعه دما.
خرجت الطفلة من المستشفى بلا كف تمسح بها لحية والدها , رأت الدموع في عينيه , فبكت وهي لا تعرف السبب , لكنها نظرت إلى يدها المبتورة فقالت له: خلاث يابابا , ماعاد أحرب الثياره , بث عطني يدي!

القصة اعلاه ليست من وحي الخيال , بل هي حادثة وقعت قبل عقدين من الزمان , لكن خطوطها العامة ظلت قائمة في مخيلتي , أستدعيها كلما رأيت رجلا يضرب أطفاله بقسوة شديدة جدا حتى تكاد تشك لحظة أنهم من صلبه.

فالله الله بأطفالكم , فالدنيا كلها لاتساوي دمعة طفل , والراحمون يرحمهم الرحمن